ضربة خامنه ئي علی الاصلاحیین:

خطوة هامة نحو الغاء الجمهوریة

و اقامة »الحكم الاسلامي« في ایران!

 

تراب حق شناس

منذ سنوات و الصراع علی السلطة یشتد حینا و یهدأ حینا، الا أن هذا الصراع بما له من أهمیة حیویة لمصیر النظام ككل یقترب الی نقطة الانفجار. والرهان بجمیع ابعاده لیس بسیطاً یمكن إخفاؤه بمصالحة بین الطرفین كما حاول الخمینی مراراً عن طریق فتاویه و اوامره بالوحدة »المقدسة« في مواجهة الاعداء في الخارج او الداخل. القراءات المختلفة للاسلام و استیعاب »الجمهوریة الاسلامیة« كنظام سیاسي، كان سبباً في شن الحملات من هذا الطرف علی ذاك و أیام الهدوء النسبي بین الطرفین هي أیام الحرب الشرسة (عامي 80 و 81) علی المعارضة الیساریة التي أودت بحیاة عشرات الالاف من المثقفین و الشباب - و كذلك سنوات الحرب مع العراق خاصة في بدایتها. اما فیما یخص القضایا الاخری فقد كانت توجد دائماً صراعات و خلافات بین أجنحة النظام من جهة و بین النظام و فئات الشعب المتطلعة الی حیاة أفضل من جهة اخری. و نقطة الضعف هذه تجیئ من نقطة قوة النظام ألا و هي نظریة ولایة الفقیه الدخیلة حسب رأي البعض علی الفقه الشیعي.

طرح الخمیني هذه النظریة في حلقات دروسه بمدینة النجف عندما كان منفیاً هناك و بعد أن نقل بعض طلبته الكلام المسجل الی الكتابة، نشر في كتاب في اواخر الستینات بعنوان »حكومت اسلامی« (الحكومة الاسلامية). و جدیر بالذكر أن الكتاب قبل نشره كان ملیئاً بتعابیر مهترئة لاتناسب اوساط المثقفین و المعارضة. فقام احد معارضي نظام الشاه آنذاك الذي كان قریباً من الخمیني و تلامیذه في العراق، باعادة كتابة الدروس باسلوب اكثر قبولاً في اوساط المعارضة و طبع الكتاب الا أن الخمیني لم یرضَ بالتغییرالذي أُدخل علیه و أمر بتدمیر جمیع نسخ الكتاب و رمي جمیعها في الفرات و بعد هذا الحادث طُبع الكتاب من جدید في بیروت. الا أن أولویة النضال ضد نظام الشاه صرفت انتباه المعارضة عن خطورة مقولة ولایة الفقیه و تناقضها الكامل مع الدیمقراطیة التي كان الجمیع یتطلع الیها. فالهدف الاساسي للمعارضة الدینیة او الیساریة لم یكن الا اسقاط نظام الشاه، اما التفكیر في البدیل كان بعیداً جداً عن اهتمامات الناس. و هذا خطأ قاتل سببه التخلف الفكري السائد في اوساط المعارضة و دكتاتوریة الشاه التي لم تكن تسمح یوماً بالنقاش الحر للبدائل.

سقط الشاه في فبرایر 1979 و لكن الخمیني و أنصاره لم یكونوا یجرأوا بعد علی طرح  ولایة الفقیه كنظام بدیل للملكیة. فالمجلس النیابي الاول لم یوصف في البدایة ب »الاسلامي« (بل مجلس الشوری الوطني) و كذلك القضاء و الجامعة ... إلا أن »أسلمة« المؤسسات تمّت تدریجیاً حسب »مخطط« لم یكن علی الأرجح مقبولاً حتی من رجال الدین الخمینیین أنفسهم. فبعض الكبار من رجال الدین أمثال آیة الله شریعت مداري الاهم فقهیاً و الاقدم من الخمیني كان ضد ولایة الفقیه و كذلك آیة الله كُلبایكاني و آیة الله ابوالفضل زنجاني و آیة الله محمود طالقاني ذي الشعبیة الواسعة. إلا أن الخمیني سحق الجمیع و أزالهم من طریقه بعد ترسخ أقدامه.

اما في الاطار السیاسي فقد كان مهدي بازركان رئیس حركة تحریر ایران المعارضة اللیبرالیة الذي عینه الخمیني رئیساً للوزراء یرفض ولایة الفقیه لكنه كان یبرر سكوته عنها بالقول »أن ولایة الفقیه زي خیط علی قامة الخمیني فقط«. و قد نشرت حركة تحریر ایران بعد عزل بازركان كتاباً یدحض فیه نظریة ولایة الفقیه. و ابوالحسن بني صدراول رئیس للجمهوریة الاسلامیة الذي كان الخمیني یسمیه »ابنه الروحي«، هو أیضاً لم یقبل عملیاً بولایة الفقیه أي سیطرة رجال الدین علی جمیع مقالید السلطة. و كان عدم قبول ولایة الفقیه سبب الصراع بین حكومة بازركان و رجال الدین الذي أدی الی اسقاطه بعد 9‏ أشهر من الحكم. و كذلك بین بني صدر و حزب الجمهوریة الاسلامیة.

فشعار حزب الله الذي رفعه خلال أكثر من 20 سنة في مواجهة أي تحرك شعبي أو إصلاحي هو »مرگ بر ضد ولایت فقیه« (الموت لمعارضي ولایة الفقیه) مهّد الطریق لإسكات أي صوت ینتقد شیئاً یمس جوهر دكتاتوریة الفقیه و آخر حلقة من حلقات هذا الصراع كان من نصیب الاصلاحیین. فبالرغم من قبولهم بالدستور الذي ینص باولویة ولایة الفقیه و إذن بولایة الفقیه المطلقة، إلا أن المتشددین یأخذون علیهم عدم اعتناقهم الصادق بهذه النظریة. فالمتشددون الذین من مصلحتهم استمرار النظام تحت  سیطرة رجال الدین و الذین یحتفظون بالقضاء و الجیش و الحرس الثوري و اموالاً هائلة و مؤسسات كبیرة تسیطر كل واحدة منها علی المئات من المعامل و المصانع و محلات تجاریة یشنون كل یوم حملات ضد الاصلاحیین و یزرعون في طریقهم ألغاماً تشل حركتهم. منذ اكثر من ثلاث سنوات و حركة اصلاح النظام من داخله التي یحاولها خاتمي مشلولة تماماً أدی الی انخفاض شعبیته و یأس الجماهیر المغلوبة علی أمرها من أي اصلاح ظنوا - في غیاب أي بدیل آخر - أنه قد یتم من داخل النظام.

ان التناقض الحاد بین الدیمقراطیة و فكرة ولایة الفقیه التي یشبّهها الخمیني بولایة العاقل علی المجانین و الاطفال، أي الشعب في نظره قاصر لابد من فرض الوصایة علیه كالمجانین و الاطفال، هو السبب الاساسي لكل هذه الصراعات المتواصلة. فالاصلاحیون لهم قراءتهم للاسلام و یذهبون بعیداً في تأویلاتهم للنص لیصلوا الی نوع من المصالحة بین الاسلام و الحداثة و الدیمقراطیة الا أن میزان القوی لیس في صالحهم. فالمتشددون لهم أجهزتهم الامنیة التي لاتتورع عن الاقدام بأي عمل من شأنه اسكات و تصفیة المعارضین من اغلاق الصحف و منع التجمعات، الی الاغتیالات ...، و القضاء الذي یسیطر علیه المحافظون كلیاً یقوم باعتقال و سجن المعارضة و تبرئة الجناة كما حصل فی حادث الهجوم علی الطلاب تموز (یولیو) 1999 و ادانة الطلاب المضروبین یذكّر بمقولة شاعرنا سعدي الشیرازي: »انظروا الی هؤلاء الجناة الذین أطلقوا زمام الكلاب و حالوا دون اقتلاع الضحایا الحجارة«.

یمكننا القول باختصار إن تجربة »ولایة الفقیه« التي كابدها الایرانیون لا مثیل لها في التاریخ الاسلامي. هذه التجربة المریرة أوصلت العدید من رجال الدین الی اعادة النظر في جدوی و صحة هذه النظریة علی رأسهم آیة الله حسین علی منتظری الذي كان من منظّري ولایة الفقیه و كان الخمیني قد عینه خلیفة له، الا أنه الیوم یعارض نظریة ولایة الفقیه المطلقة.

الحلقة الاخیرة للصراع هي رسالة خامنه ئي الی المجلس النیابي (الذي یسیطر علیه عددیاً الاصلاحیون) لمنعه من مناقشة اصلاح قانون المطبوعات و الصحف الذي تم بموجبه إغلاق 24 صحیفة و الذي كان الاصلاحیون في معركتهم الانتخابیة یؤكدون أنه سیكون أول موضوع سیناقش في المجلس. و الطریف أن رئیس المجلس مهدي كرّوبي، صرّح في بدایة الجلسة أن النقاش حول قانون المطبوعات یجب حذفه من جدول الاعمال. و لما واجه اسئلة و اعتراضات عدة من الاصلاحیین قال أنه تلقی »حكماً حكومیاً« (حكم حكومتی بالفارسیة) بهذا الشأن. و جدیر بالذكر أن هذا التعبیر جدید بكل معنی الكلمة و لم یسبق أن استخدم من قبل رسمیاً. ماذا یعني أن یتلقی المجلس النیابي المنتخب من الشعب »حكماً« أي أمراً حكومیاً بأن یفعل كذا و كذا؟ و أخیراً جاء رده لیعلن أن الولي الفقیه قد »أرسل لنا رسالة یطلب منا عدم الدخول في هذا النقاش«  لتغییر قانون المطبوعات و أضاف كروبي أن »هذا هو نظام ولایة الفقیه المطلقة«.

اما من أین أتی تعبیر »حكم حكومتي«؟ جاء من انزعاج المتشددین من وصف النظام بالجمهوري. ذلك أن النظام الجمهوري یتناقض مع ولایة الفقیه. هذه هي نقطة الضعف التي یعاني منها النظام و الذي كانت المعارضة الیساریة و الدیمقراطیة تذكّر بها و تنتقدها منذ الیوم الاول لحكم الخمیني و نالها ما نالها من اضطهاد فظیع بسبب ذلك. سبق لآیة الله مهدوي كني رئیس جمعیة رجال الدین (روحانیت) و هو من أقطاب المتشددین، أن صرح قبل عدة سنوات »أن نظامنا الاسلامي یجب أن یسمی في المستقبل الحكم الاسلامي (حكومت اسلامی) بمعنی أنه یجب التخلص من كلمة الجمهوریة و بدیهي أنه یقصد بذلك أنه بعد اقرار »الحكم الاسلامي« علی غرار الخلافة الاسلامیة لا تبقی حاجة الی الانتخابات و مشاركة الشعب لان الخلیفة لایعزله الا الموت. فالامور تقرر من قِبل الحاكم - الولي الفقیه - و الشعب علیه أن ینفذ حكم الله الذي یأتي من الفقیه ولي الامر. ألیس هذا التعبیر أقرب الی تعبیر الخمیني حین عنونَ كتابه »حكومت اسلامی«؟

لقد كشف رئیس المجلس، مهدي كروبي، منذ الیوم الاول ما فی طبیعة هذا النظام من تناقض مع الجمهوریة و حكم الشعب. لقد قام آیة الله علي خامنه ئي، الولي الفقیه بتوجیه رسالته هذه الی المجلس إثر جلسة حضرها أیضاً رفسنجاني و آیة الله محمود شاهرودي و محمد خاتمي و یبدو أن هذا الاخیر لم یتمكن من التفوه بشیئ. موقف خامنه ئي هو انقلاب علی الاصلاحیین و علی خاتمي بالذات الذي یعرف أن الریاح تجري بما لاتشتهي سفن الاصلاحیین و لذلك ربما سكت للمرة الالف و أغمض عینیه علی العقبات الكأداء التي توضع في طریق تنفیذ ما وعد به حین كان مرشحاً لرئاسة الجمهوریة و یمكن أنه یری أن مصلحته هي في مجاراة المحافظین الذین مازالت لهم الید الطولی، لكن الی متی؟

تمكن خامنه ئي أن یخطو خطوة هامة نحو الحكم الاسلامي التیوقراطي الذي لایحسب أي حساب لرأي الشعب. ألم یؤكد الخمیني أنه »إذا اجتمع الشعب كله علی أمر و كنت أنا ضد موقفه فالحق یبقی معي«؟

یمكننا تشبیه هذا الصراع المحتدم بین الاصلاحیین و المتشددین كصراع بین سفینتین علی بحر متلاطم الامواج. هذا البحر هو الشعب الایراني الذي أتعبته ال 22 عاماً من »حكومت اسلامی« التي غدرت بكل وعودها. هذا الشعب یمكنه أن یفاجئ في أیة لحظة الجمیع في ایران و في العالم.

----------------

كاتب ایراني

[منشور فی الحیاة 20 آب (اغسطس) 2000]