تعقیباً علی مقال للعفیف الاخضر:

عن قانون یسمح بالاغتیال!
و ما یفرق المثقفین العرب و الایرانیین

تراب حق شناس(❊)

في مقال له بعنوان »علی هامش الاغتیالات السیاسیه في ایران« أشار الاستاذ العفیف الاخضر (الحیاة  18 آذار 1999) الی الظروف العصیبة التی یعیشها المثقفون الایرانیون من كبت و قمع و اغتیال، كما شكا من عدم تضامن صریح من قبل المثقفین العرب تجاه زملائهم المثقفین الایرانیین، رغم المصیر المشترك الذي یوجد امامهم جمیعاً و خلافاً للمثقفین الاروبیین و الامریكیین الذین نددوا بتلك الاجراءات القمعیة و طالبوا بمعرفة و معاقبة المجرمین ممن أمروا او نفذوا الاغتیالات. و لالقاء الضوء من الداخل علی مأساة المثقفین و المعارضین في ایران التي هي جزء من مأساة الشعب الیراني، أضیف نقطتین:
1‏
مقال نشر في جریدة »خرداد« (الاصلاحیة و المساندة لخاتمي) و بقلم المحامیة شیرین عبادی، التي تتولی الدفاع عن بعض الصحف و الكتاب الدیموقراطیین المتهمین في المحاكم الایرانیة. و فیما یلي ترجمة لما كتبته تحت عنوان »سیف دیموكلیس«، حول مادة قانونیه یمكن بموجبها اغتیال الآخرین دون عقاب:
»صرح »نیازی«، المدیر العام العسكري لمدینة طهران و المسؤول عن متابعة ملف الاغتیالات الاخیرة - و هو من المتشددین -، في مقابلة مع وكالة الأنباء الایرانیة بتاریخ ‮02 ینایر 9991»ان للمتهمین - و لاشك - دعاوي ضد المقتولین لیست موضع قبول هذه المحكمة و طبیعي أن المتهمین یمكنهم أن یدافعوا عن أنفسهم. كما علیهم أن یطرحوا و أن یثبتوا ادعاءاتهم حسب المادة ‮622 من قانون الجزاء الاسلامي في محكمة مختصة للنظر فیه«
و تعلق المحامیة شیرین عبادي علی هذا الرأي بقولها:
»هكذا یفهم و یستنبط من بیانات »نیازي« أن متهمي الاغتیالات الاخیرة اذا تمكنوا من اثبات دعاویهم ضد ضحایاهم حسب المادة 622 من قانون الجزاء الاسلامي، فلن یكون علیهم أي حرج و بالنتیجة سیطلق سراحهم.
ان المادة 622 المذكور تقرر:
»یتم القصاص مقابل قتل النفس اذا لم یكن المقتول تستحق القتل حقاً. و اذا كان كذلك (اي یستحق القتل حقاً) یجب علی القاتل أن یثبت الأمر حسب المقاییس المتبعة في المحكمة«
و تضیف المحامیة عبادي: »ان هذه المادة التي یواجه المجتمع لاول مرة نتائجها الفعلية و التنفیذية، تطرح تساؤلات منها:
1‏- من الذي یستوجب القتل شرعاً؟ و بعبارة اكثر دقة: ماهي الاعمال التي یتحول الانسان بموجبها الی مهدور الدم؟
2‏- ما هي المقاییس المشارة الیها في المادة 622 و علی اي اساس و بأي دلیل یمكن لنا أن نثبت أن المقتول كان یستحق القتل حقاً؟
3‏- كیف یتم اثبات الأمر و في ایة محكمة؟
4‏- و من الذي علیه أن یرد علی القاتل و ادعاءاته؟
ان النقص الأهم الموجود في المادة 622 من قانون الجزاء الاسلامي هو أن المتهم أی المقتول یسلب منه حق الدفاع الذي یعتبرمن الحقوق الاولیة لأي متهم و القانون یعطي الحق للقاتل أن یتهم فرداً لایمكنه الدفاع عن نفسه!
ان هذه المادة القانونیة هي كسیف دیموكلیس یتدلی فوق رقاب أي مفكر و كاتب حر، لأنها تعطي لأي فرد كان الحق بأن یتهم الآخر بالارتداد و یعتبره مهدور الدم و یحكم علیه بالاعدام و ینفذ الحكم و ذلك بالاستناد علی بیت في قصیدة أو سطر في مقال أو جملة في كتاب، لا لشیئ الا أن الرأي الموجود فیها لایعجبه!« (انتهی مقال المحامیة الایرانیة).

2‏
صحیح أن الموقف التضامني الذي أبداه العفیف الاخضر یشرف أي كاتب ایرانی یعانی من ارهاب ثقافی مبرمج آشد من آیام الشاه عنفاً، الا أنه لابد لنا ان نعترف آن جدراناً تبدو حدیدیة تفرق المثقفین العرب و الایرانیین!
لانرید هنا أن نتطرق الی تاریخ الشعوب العربیه و الایرانیة و الی التأثیرات المصیریة التی أخذها كل طرف من الآخر، كما لانرید أن نشیر الی المصالح الحیویة المشتركه في عالمنا الیوم و غداً. الا أنه من المؤكد أن الطرفین لایعرفان شیئاً یذكر عن هموم و تطلعات الطرف الآخر. المثقف العربی او الایرانی علی معرفة أفضل بالنسبة للوضع الادبی او السیاسی فی امریكا اللاتینیة او الیابان قیاساً بما یعرف عن الوضع فی العالم الایراني او العربی، و الغریب أن مثل هذا الموقف من كلا الطرفین لیس بعیداً عن عدم الاهتمام المتعمد و المقصود. هناك القلیل من الایرانیین الذین یهتمون بالادب العربی المعاصر و مع ذلك هناك بعض المعرفة عن طریق ترجمة بعض الاعمال الادبیه و غالباً الشعریة (البیاتي، السیاب، درویش ...)، اما بالمقابل، لا تتوفر أیة امكانیة للمثقف العربی أن یقرأ شیئاً جاداً من الادب الفارسی المعاصر باللغة العربیة رغم أن هذا الادب یعیش منذ الستینات، خاصة في مجال الشعر و الروایة، من أجمل أدواره.
و من أبرز مظاهر عدم الاهتمام ببعضهما البعض، هو أنه خلال محنة الجزایر و الاغتیالات التی تعرض لها المثقفون و المبدعون هناك خلال السنوات الاخیره علی ید المتشددین او الجیش، و بصرف النظر عن مقالات معدودة في الصحف الایرانیه للتعلیق علی مایجری من أحداث دامیة في الجزایر، لم یصدر بیان جماعی من جانب المثقفین الایرانیین حتی في الخارج لانه من الصعب ادانة المتشددین الجزاذریین في ایران، من أجل التعاطف و التضامن مع الزملاء الذین كانوا یتعرضون لابشع انواع الاغتیال و التخویف و التهجیر.
و بالمقابل ایضاً لم نسمع أن كان المثقفون العرب مهتمین بمصیر المثقفین في ایران حینما كانت المكتبات تحرق باسم منع كتب الضلال و تمنع الصحف من الصدور و تكسر الاقلام (كما نادی بها الخمینی بعد عدة أشهر فقط من وصوله الی السلطة) و تقتحم الجامعات و تغلق باسم الثورة الثقافیة من أجل »أسلمة المعرفة«. كما أنه و في الاشهر الأخیرة (حینما أظهر القتلة تهوراً و علانیة اكثر من ذي قبل و قاموا باغتیال عدد غیر قلیل من مثقفین و معارضین و علمانیین و من اصحاب الفكر الحر) لم نسمع عن تعاطف عربی معهم. و جدیر بالذكر أنه  و بعد أن أفتی الخمینی بقتل الكاتب سلمان رشدی بقلیل، كان هناك اكثر من اربعین مثقفاً عربیاً غالبیتهم من سوریا و لبنان، بینهم صادق جلال العظم و عزیز العظمة، قاموا، و بكل جرأة و التزام، باصدار بیان تحت عنوان »دفاعاً عن حق الكاتب في الحیاة« (نشر في السفیر 42/3/9891‬)، لكن عندما كان الكتاب و المثقفون الایرانیون یتم اغتیالهم بالعشرات، لم ترفع اصوات المثقفین العرب دفاعاً عنهم و مازال الحبل علی الجرار.
و أخیراً نشیر أن هذه الاغتیالات المقصودة تم التمهید لها منذ عدة سنوات، حینما اذیع لأشهر عدیدة برنامج اسبوعي في التلفیزیون الرسمي تحت عنوان »برنامه هویت« (اي برنامج الهویة) یتم التركیز فیه علی القاء التهم و الافتراءات ضد المثقفین الذین لم یكن النظام یعتبرهم من آهل النظام بل غرباء. فدائرة لصق الاكاذیب و اختلاق التهم من كل الانواع (الارتداد، الخیانة، التجسس لصالح الأمریكان و الصهاینة، الشذوذ الجنسي و ما الی ذلك) اتسعت و شملت خیرة المثقفین العلمانیین حتی الملتزمین منهم بالدین مثل عزت الله سحابي مدیر مجلة »ایران فردا« (ایران الغد). كان أحد الكتاب الایرانیین الذی قد تعرض لمثل هذه التهم یقول: »لما تصل هذه التهم الی آذان شاب مراهق و متعاطف مع المتعصبین یعیش في حینا و یرانی و أهلي كل یوم، ماذا یمنعه من أن یقتلنی و عائلتي بسكین یأخذه من المطبخ لیصبح بطلاً و یفوز بالجنة كما یعلمونهم؟ و كیف یمكنني أن أجد ملجأ به شیئ من الهدوء لأتمكن من انجاز شیئ ما؟ أو حتی أن آعیش بشكل عادي«. كما كتبت احدی الصحف التابعة للمتشددین قبل اسبوع فقط من اغتیال زعیم »حزب الامة الایرانیة« داریوش فروهر و زوجته مقالاً مهدت فیه لاغتیاله، اذ قالت: »ان الامام [ای الخمیني] قد صرح بان فروهر »غیر مسلم«. و جدیر بالذكر ان تكفیر فروهر كان بسبب رفضه لولایة الفقیه التی أصبحت في ایران بعد الخمیني »ركناً من أركان النظام الاسلامي«.
ألیس الدفاع عن حریة الفكر و الابداع فی الجزائر (و التضامن مع امثال شهید حریة الفكر و الابداع في الجزائر الشاعر طاهر جعوط و الفنان عبد القادر علولا) و في مصر (والدفاع عن امثال نصر حامد ابو زید) و فی ایران (و التضامن مع امثال سعیدي سیرجاني و محمد مختاري) و في كل الكرة الارضیة قضیة انسانیة و ثقافیة واحدة؟
------------------
❊ كاتب و باحث ایراني
نشر فی الحیاة بتاریخ 5 ایار (مایو) 9991